استوقفني ليلة البارحة (خلال تصفُحي للإنترنت) فلم وثائقي (على قناة الجزيرة الوثائقية) بعنوان ” الغرب يرى و الشرق يتصور ” . كان الفلم هدية إلهية من السماء حيث انه ارسى بعض المفاهيم التي كنت ادعو لها في مقالات سابقة و رتب بعض من فوضى تساؤلاتي عن العلاقة بين الشرق و الغرب .
يسلط الفلم بقليل من التفصيل عن سيكيولجية الافراد بين الشرق و الغرب من ناحية مشاهدة الاشياء و تحليلها ، فالشرقي يستخدم جزء من الدماغ يختلف كلياً عما يستخدمه الغربي في تصوراته و مشاهداته للاشياء من حوله .
يضرب الفلم عدة تجارب على عينة عشوائية من الناس غربيين و شرقيين كان منها عرض صورة لشخص مبتسم و من خلفه خمس اشخاص مبتسمين ، وكان السؤال : هل الشخص في الصورة سعيد؟ متجاهلين الخمس اشخاص في خلفية الصورة .
ثم تم عرض صورة اخرى لنفس الرجل السعيد و لكن هذه المرة مع خمس اشخاص غير سعيدين جدا من خلفه ، وكان نفس السؤال : هل هذا الرجل سعيد ؟ وهم في هذا السؤال ايضا تجاهلوا الخمس اشخاص الغير سعيدين في خلفية الصورة .
جاءت الاجابات على النحو التالي : فالشرقيون اعتقدوا في الصورة الاولى أن الرجل سعيد ، ولكن في الصورة الثانية لم يشاهدوه سعيد !!
كان تفسيرهم أن الخمس اشخاص غير السعيدين في خلفية الصورة الثانية لا يوحي بسعادة الرجل . اما الغربيون فقد شاهدوه سعيد في الصورتين بغض النظر عن الخلفية !
هذه التجربة تبين للقارئ كيف أن الغربي يرى ، و يرى فقط فهو يفصل بين الاشياء . أما الشرقي فيتصور الاشياء و يزعم بعلاقة بين الاجسام ، فهو يراها بشكل مجمل مترابط دون أن يفصل جزء عن جزء في ردة فعل لا ارادية سواءاً من الشرقي أو حتى الغربي .
و من خلال هذه التجربة يتجلى لنا و بوضوح مدى الاختلاف التكويني للتفكير بين الشرق و الغرب ، و يفسر لنا سر ازدواجية ضحك الدكتور مع الطالب ثم فصله نهاية الفصل دراسي . كذلك يفسر لنا سبب ابتسامة موظفة ستاربكس لنا كل صباح دون ملل او كلل فهم فصلوا بين العمل و الانسان .
من جهة آخرى يفسر لنا سبب تعاطف المدير في العمل مع موظف جاء متاخرا بسبب و ليمة متأخرة لضيف زاره ، و سر عدم ابتسامة الموظفة لك في عالم الشرق ، فهم كذلك لم يستطيعوا فصل الانسان عما حوله من ظروف و خلفيات !!
و هذا بإختصار الاختلاف الذي طالما ناديت به بين الأمم ، جاء الان في صورة أوضح لنعلم و نتعلم ما هي الاختلافات بين الشعوب دون اطلاق الاحكام جزافا على من هب و دب .
https://elaph.com/Web/opinion/2013/12/859679.html
نُشر بصحيفة إيلاف اللندنية
٢١ ديسمبر ٢٠١٣م