📌 المعركة الخاسرة ❗️

تستيقظ منازلنا كل صباح على معارك ضارية بين الوالدين و ابناءهم المراهقين -تلك الكائنات المتحولة التي تعيش بيننا كما يتوهم البعض- في سبيل اجتثاثهم من فرشهم الوثيرة الدافئة، و كأنها عملية خلع ضرس يجب أن تتم بآقصى سرعة تجنباً للألم !!

إن ايقاظ المراهقين في هذه الساعة المبكرة جداً كل صباح إنما هي معركة ضد ساعتهم البيولوجية و التي تنعكس سلباً على تفكيرهم و تركيزهم و نموهم العقلي و العاطفي، حيث كشفت الإحصائات أن ١ من ١٠ مراهقين يحصل على ٨ ساعات أو أقل يومياً من النوم و هي الحد الأدنى من ساعات النوم التي يوصي بها أطباء الأطفال و علماء النوم. يعني ذلك أننا على حافة الهاوية، و لأبسط الصورة أكثر تخيل أن ينجح ابنك و لكن بمعدل أو تقدير مقبول !!

كثيراً ما نعزي تقلب مزاج المراهق و عدوانيته و انطوائه و آكتئابه إلى التغيرات الهرمونية التي تحدث داخل جسده المسكين، قد تكون هذه التغيرات موجودة بالفعل و لكنها ليست السبب الرئيس خلف هذه الطبائع المتمردة و المنفردة، بل هي في حقيقة الأمر اضطرابات مزمنة لقلة النوم سببها سياسات التعليم في دولنا العربية و التي تدفع بهؤلاء المراهقين للفصول الدراسية قبل الساعة السابعة صباحاً كل يوم.

ذكرت سابقاً أننا فعلاً نقود معركة ضد أجساد هؤلاء المراهقين، ففي حين تفرز أجسام البالغين انزيم (الميلاتونين) الساعة التاسعة مساءاً ذلك الانزيم المسؤول عن تنظيم الإيقاع الحيوي لدى الإنسان الدافع إلى النعاس و الرغبة بالنوم، يتأخر افرازه لدى المراهقين حتى الساعة الحادية عشر أي بعد الشخص البالغ بساعتين مما يجعل ايقاظ المراهقين الساعة السادسة صباحاً مشابهاً لايقاظك عزيزي البالغ الساعة الرابعة فجراً!! و سأترك لمخيلتك عزيزي القارئ تصور الحالة الذهنية و النفسية من عصبية و تعكر المزاج و التوتر الشديد و عدم التركيز. ماذا لو طلبت منك كذلك في تلك الساعة و بتلك الحالة أن تقود سيارتك لعدة ساعات متواصلة و هذا بالضبط ما نطلبه من المراهقين كل صباح حين ندفعهم للاستيقاظ الساعة السادسة صباحاً أملين منهم التفاعل الإيجابي داخل الفصل و حل المشكلات و التفكير النشط في الحصص الدراسية !!

هنا يأتي السؤال المرّ، كيف يواجه المراهق كل هذا الضغط و بأي سلاح يدافع عن طبيعة جسده ؟ إنه و للإسف يواجهه بالكثير بل الكثير من الكافيين و مشروبات الطاقة التي تدمر جسده و تنخره من الداخل و الخارج في محاولة بائسه منه للتغلب على هذه الأزمة دون جدوى.

محزنٌ حال آبنائنا المراهقين، ففي حين تعمل أجسادهم و أذهانهم جاهدة لبناء نفسها في مرحة حرجة من عمرهم نجدهم يدفعونها و يضغطون عليها فقط كي يتعايشوا مع هذه الأنظمة الصارمة. الأدهى و الأمر أن سلبية قلة النوم و الإستيقاظ الجد مبكر قبل الساعة الثامنة للمراهق تتعدى خطورة الإصابة بأمراض القلب و السمنة و السكري إلى خطورة مجتمعية، فقد يتطور الأمر إلى تعاطي المخدرات و الآكتئاب مؤدياً للانتحار لاقدر الله.

أنا هنا بطبيعة الحال لا أدعو للسهر، بل أدعو لتأخير ساعة بدء اليوم الدراسي إلى الساعة الثامنة و النصف حتى يحظى المراهق بساعة نوم إضافية. هذه الساعة التي أثبتت أحدى الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية أنها كفيلة برفع المستوى التعليمي لدى المراهق و زادت من قابليتهم للتعلم و التفكير، وكانت سبباً أيضاً في تحسن حالتهم النفسية عطفاً على تحسن المزاج العام لدى أسرته و في منزله. كذلك ساهمت بشكل ملحوظ في تقليص نسبة التأخر الصباحي و نسبة الغياب على حد سواء لدى المراهقين.

قد يكون مقترح تغيير ساعة بدء اليوم الدراسي عصية على التنفيذ لوجستياً على الأقل من ناحية ما يتطلبه الأمر من تحولات مفصلية في السياسات التعليمية و كذلك تحولات تطال نظام المواصلات و المرور و غيره، لكنها تصبح ضرورة ملحة عندما يتعلق الأمر بابني المراهق.

نُشر بصحيفة اليوم السعودية

الخميس ٩ نوفمبر ٢٠١٧م

https://lym.news/a/1152256

أضف تعليق