منذُ الفجر الأول للإنسان على هذه الأرض والاصطدام هو طريقه نحو النهضة، وذلك حين أيقن بأن الاختلاف هو الطريق نحو بناء الأمم والمجتمعات. وعلى مرّ العصور ارتبطت الحرية بكرامة الشخص أو الجماعة، ومنذُ نضاله الأول من أجل الخلاص من العبودية وهو يتدرج في مطالبه نحو الحرية المطلقة التي لاسقف لها.
يختلف تعريف الحرية باختلاف كثير من المعايير أهمها هو الزمان والمكان، ولأجل ذلك وجِدت الكثير من التعريفات التي وضِعت لوصفها، فقد وصف إعلان حقوق الإنسان عام 1789م الحرية على أنها ” لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافيا ” وعلى الرغم من كل تلك التعريفات والمصطلحات التي وقعت عليها عيناي وأنا أسبر أغوار هذا الموضوع إلّا أنها أصابتني بالحيرة، فإن كنتَ أنتَ حرّاً وأنا حرٌّ في كل مانقول أو نعتقد دون قيد أو شرط فإننا سنصبح مجتمعاً مكبلاً ضعيفاً محبطاً يسعى كل فردٍ منّا إلى دعم وسائل إقناعه متجاهلاً الهدف الأسمى والأهم وهو الحرية وحرية الرأي.
حرية التعبير والرأي حق مكتسب لك يقف عند حرية غيرك، وهنا تظهر معالم الإطار المنطقي لهذه الحريات. كثير من الناس يخلط بين “حرية الرأي ” والتحريض والتنمر، الأول فضاء شاسع لإبداء الرأي حتى يصل ويتعدى على الغير فيتحول تلقائياً إلى النوع الثاني والذي أصبح وللآسف يستخدم بحجة حرية الرأي والتعبير في أشد صور العنصرية قباحة.
وجِدت حرية الرأي لتساعد على التعامل مع الاختلاف بين الناس بكافة طوائفهم معززة لحقوقهم وحماية لهم. كما أنها تُسهم بشكل أو بآخر في الكشف عن أي انتهاك أو تعدٍ أو فساد. ولحرية الرأي فائدة عظيمة من خلال ما تُوجدُه من تجانس بين فئات المجتمع وتساعده كذلك على المشاركة في صنع القرار محققة توازناً بين الاستقرار والتغيير.
أخيراً إن ما نُشاهده اليوم من تعدٍ سافر على كثير من حريات الآخرين باسم التحضر والانفتاح إنما هو سعي حثيث نحو المطالبة بحد ذاتها وليس بحثاً عن الحرية. فكن واعياً لمعنى حرية التعبير قبل أن تطالب بها !!
نشر بصحيفة اليوم
الجمعة ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٠م