دائماً ما يخلط الناس بين التقدم في العمر والنضج، فغالباً ما يعتقدون بأن الوصول لعمر محدد أو تجاوزه هو بالضرورة نضج. مع أن سنوات العمر مهما طالت لا تعكس بالضرورة درجة النضج العقلي، ليس بغريب على مسمعيك مسمى (مراهق في الخمسين) أو من نقول عنهم (عقله أكبر من عمره).
النضج لا يقاس بلغة الأرقام بل بما يظهر من أفعالك وأقوالك وتصرفاتك، فلا يمكن أن تكون ناضجاً وأنت تجد حرجاً في تقبل اختلافات الغير، فعاداتك ليست كعادته، وتربيتك ليست كتربيته. الخلفية الثقافية والاجتماعية والدينية كلها تختلف من شخص لآخر والشيء الثابت الوحيد أننا لسنا سواء وهذا لا يعني أنه مخطيء بل مختلف عنك فقط.
سرعة إطلاق الأحكام على الأشخاص والمواقف قد يبطيء من عملية نضجك. دائماً التريث في تشكيل الصورة الذهنية وردة الفعل يجعل فرص اتخاذ القرار والتصور الصحيح صائباً وفي محله، وطالما كانت نتائج الأحكام والقرارات السريعة هى الندم.
في مرحلة النضج يجد الشخص نفسه أكثر تسامحاً مع نفسه والآخرين، يختار معاركه بدقة قبل أن يستنزف أقواله وأفعاله ومشاعره وأعصابه فيها. فهو في مرحلة تفاضل بين المهم والأهم. ولا يجد في أيامه ما يستحق أن يضيع في معارك وهمية لا غالب فيها ولا مغلوب. ولا يتبادر إلى ذهنك بأن المعارك التي نتجنبها في هذه الفترة العمرية هي معارك نووية أو جرثومية، بل هي أبسط بكثير من ذلك. النقاشات العقيمة على سيل المثال تعتبر في هذا العمر معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل ولن تتمخض إلا عن فأر. تجنبها هو الغنيمة والسلامة.
وخلاصة القول أن النضج يتحدث عنك قبل أن تتحدث أنت عنه من خلال ما يراه الناس في ما تقول وتفعل. وعش هانئ البال قرير العين ودع الخلق للخالق.
نشر بصحيفة اليوم السعودية
السبت ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٠م