مرّت بي قصة ذلك الشاب الذي ترقى قريباً وأصبح مديراً لأحد الإدارات. كان شغوفاً بالعمل ومحاطاً بكوكبة رائعة من العاملين الذي استطاعوا وبكل جد أن يرفعوا انتاجية إدارتهم ويجودوا العمل بها. من بين تلك الكوكبة كان هناك شاب ذو همة ملفتة للنظر، إذ يعتبر العقل المدبر والقلب النابض لكل من حوله. تقدم الشاب بطلب إجازة اضطرارية لمصاحبة أصدقاءه في نزهة برية، ولكن صاحبنا المدير الجديد لم يسمح له بتلك الاجازة رغبة منه في انجاز اكبر قدر ممكن من العمل.
استاء الموظف المجتهد والقلب النابض للادارة من رفض المدير الجديد لاجازته القصيره، وفي صباح نزهته مع اصدقاءه قرر أن يرسل للمدير رسالة تخبره بأنه مريض ولن يحضر للعمل ذلك اليوم. لكن دهاء المدير الجديد صور له أنها مجرد خدعة من الموظف حتى يلتحق بآصحابه !!
لم يصدق خبراً وانطلق مسرعاً إلى منزل الموظف المسكين ووقف ببابه مترصداً، وبالفعل ماهي إلى دقائق حتى ظهرت الفريسة محملة بلوازم الرحلة البرية، فوقع اللقاء وانكشف صاحبنا أمام مديره شر انكشاف. وبرقت عيني المدير انتصاراً، عاد ابعدها منتشياً للعمل وأصدر قراراً مباشر بالخصم عى الموظف، خصماً مضاعف لقاء فعلته الشنعاء !! لم تمر سوى عدة أيام بعد تلك الحادثة حتى طرق الموظف باب المدير مقدماً له طلب الاستقالة.
انتصر المدير، ولكنه خسر موظف وخسر عقل مدبر وقلب نابض لإدارته. ونحن كذلك في كثير من المواقف التي نصدفها في حياتنا قد ننتصر ولكننا قد نخسر ما لا تعوضة نشوة الانتصار اللحظية. ولا أجد أبلغ من قول أبي تمام : ليس الغبي بسيد قومه … لكن سيد قومه المتغابي !
تصيدنا ومحاربتنا الدائمة والدئوبة للانتصار بكل معاركنا اليومية قد تكون سبباً لهروب الأشخاص من حولنا وهي كفيلة أيضاً بتحويلنا من مدير أو عامل أو أخ أو أخت أو زوج وزجة إلى عدو دائم يغص بلوعة المهانة أو المذلة الغير ظاهرة للعيان ولكن الأيام كفيلة بإظهارها. دماثة الخلق والسماحة ليست حكراً على الجينات الوراثية والسلالات الرفيعة، هي عادات يمكن اكتسابها متى ما أدركنا حجم الخسائر مقارنة بانتصار أبتر يتيم. بعض انتصاراتنا الهوجاء تكون خنجراً مسموماً في خاصرة الكرامة، لا يمكننا تجاوزه إلّا بالرحيل. فخسارة الموظف ليوم أو يومين من أجره أمرٌ هين يمكن تجاوزه أما خسارته لشخصه وكرامته أمام المدير وإن كان بالفعل مخطئ لا يمكن أن تعوض. كنت ومازلت من خلال ما أقرأ وأكتب أحاول حتى اللحظة أن اختار معاركي بدقة فالانتصارات عاطفية والخسائر مادية.
https://www.alyaum.com/articles/6302921
نشر بصحيفة اليوم السعودية
الجمعة ٢٩ يناير ٢٠٢١م