نرحل اليوم إلى بلاد اليونان الحافلة بالأساطير في مختلف مجالات الحياة. ويطالعنا كمّ كبير من الحكايات والأساطير التي حيكت حول الزهور والورود والتي يعكس كل منها جانباً من جوانب السلوك الإنساني ومنها أسطورة زهرة النرجس أو النركسوس التي نسجت حولها الأساطير.
تبدأ القصة حين اكتشف الفتى نركسوس وهو الاسم الإغريقي لنرجس مدى جماله الفائق. كان يذهب كل يوم ليتأمل جمال وجهه في مياه إحدى البحيرات، وكان مفتوناً بصورته ومندهشاً بجماله. تطورت حالة الإعجاب تلك حتى وصلت حد الإدمان والانغماس بنفسه. إلى درجة انقطع معها عن الناس فلا يخالط أحداً ولا يتحدث إلى أحد حتى ضعُف جسمه وذوى جماله.
ذات يوم اشتهى أن يُقبّل وجهه المرتسم على صفحة ماء البحيرة، فسقط ومات غريقاً !! وفي المكان الذي سقط فيه نبتت زهرة سميت نرسيس أو زهرة النرجس والتي أنبتت بدورها مصطلح النرجسية.
يخلط الناس كثيراً بين تقدير الذات وحبها ورعايتها وبين الانغماس في الذات والهيام بها. إن حبك لذاتك ينبع من قبولك لذاتك ورضاك عنها مما ينتج عنه جميع الممارسات المدفوعة باحتياجاتك الشخصية مما يولد إحساس بالراحة والتمكين في أمور حياتك المختلفة، ويخلق لك مساحة لتطوير ذاتك وتنميتها.
أما الانغماس في الذات فيدفعه الشره والطمع وهو يعتبر شكلاً من أشكال الأنانية. أنت بانغماسك في ذاتك تصنع أفراحاً لحظية لا تكاد أن تنطفئ فرحة حتى تلهث باحثاً عن أخرى معللاً نفسك بأنها عادات مجتمعية سائدة وسنة حياة، فتتمخض تلك السلوكيات عن اتكال وإدمان لا مفرّ منه يُعطل فيك كل فسحة لتطوير تلك الذات المسكينة، هي دوامة لا تنتهي.
واجه نفسك بمرآة الحقيقة ولا تخجل، وارع ذاتك ولا تنغمس بها فإن سقطت لن تنبت النرجس مرة أخرى! !
https://www.alyaum.com/articles/6296631
نشر بصحيفة اليوم السعودية
السبت ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٠م