لو أخبرتك قبل عام وفي حديث عابر ونحن نقطع طريقنا نحو المقهى أننا بعد أشهر لن نلتقي مرة آخرى وأننا سنصبح حبيسين منازلنا، أنني وأنت لن نستطيع زيارة الأصدقاء أو الأقاربنا، أن المدارس ستقفل أبوابها والمرافق العامة والخاصة ستغلق، حدودنا البرية والجوية ستغلق، أن الكمامات ستصبح لصيقة لوجوهنا وأن مجرد نزعها سيكون مخالفة يعاقب عليها القانون وقد تصل لأن تتكبد الغرامات لو لم تتقيد بكل هذه القيود !
بالتأكيد أنك لن تصدق، بل وقد تتهمني بالجنون والهرطقة، وقد أعكر مزاجك ذلك المساء مما قد يحتم عليك إلغاء فكرة فنجان القهوة الذي جمعنا هذا المساء !
وها نحن اليوم وقد مرّت الأيام والأسابيع بل الشهور ونحن نعيش هذه الماساة بكل ظروفها وأيامها الثقال. اكتشفنا أننا استطعنا وبأعجوبة أن نساير هذه الجائحة ونتعايش معها متهكمين مرة ومتشائمين مرات آخرى ظانين أنها مجرد زوبعة في فنجان، أسبوع أو أسبوعين وتنجلي، إلّا أننا اكتشفنا أن الآمر أكبر مما توقعنا أو حتى تخيلنا حتى دعت الحاجة الملحة للمغامرة والعودة للحياة مرة آخرى. عاد المعلم لطلابه عاد المهندس لرسوماته والعازف لقيثارته والكاتب لصحيفته، بل وحتى صاحبنا المتهكم والمتشائم الآخر عادوا.
هي الحياة رحاة دائرة وأيام تمرّ ولا نملك سوى أن نقبل بلياليها وصروفها، هي ماضية بحلوها ومرّها، وما خُلقنا نختلق الأعذار فالحياة عقيدة وجهاد. امض في طريقك وجاهد ماستطعت للحياة سبيلاً واجعل من هذه الأيام عبرة تُحكى للأبناء والأحفاد ومن يليهم وتستمر الحياة !
https://www.alyaum.com/articles/6291182
نشر بصحيفة اليوم السعودية
السبت ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٠م