عندما سُـئل شخص عن خياره فيما إذا صادف مفترق طرق وهو يقود سيارة مسرعة لا تعمل المكابح فيها. فإما أن يتجه نحو اليمين ويقتل عاملاً واحداً فقط، وإما أن يتجه يساراً ويقتل خمس عمال دفعة واحدة !!
أفضل الخيارات المتاحة هي أن يضحي بعامل واحد مقابل أن ينهي حياة خمس عمال.
حقيقة قد يرها البعض أو الأغلب واضحة وضوح الشمس، ومن يرى عكسها فهو ظالم لنفسه وللغير.
نفس الشخص الذي وقع تحت هذه الاختيار الصعب كان يمر من على جسر عندما سمع ضجة تحدث تحت الجسر، فوجد سيارة مسرعة من بعيد يبدو أن مكابحها لا تعمل متجة بسرعة نحو خمس عمال غير منتبهين يعملون في منتصف الطريق.
يقف بجانب صاحبنا المتفرج فوق الجسر رجل سمين يطل بعنقه لمتابعة المشهد.
هنا يأتي السؤال مرة آخرى وبصيغة مختلفة، هل من الممكن أن يدفع صاحبنا بالسمين الذي يقف بجانبه من فوق الجسر ليسد طريق السيارة وينقذ بذلك حياة خمسة أشخاص أم يكتفي بالمشاهدة ويترك السيارة تصطدم بخمس عمال أبرياء ؟
أعتقد أن خيار دفع رجال مسالم يقف بجانبك لمشاهدة الحدث من فوق الجسر يعتبر ظلم وغير إنساني، وهذا ما اتفق عليه الأغلبية في تضاد صارخ !!
ففي الحالتين الاختيار يقع بين شخص مقابل خمس أشخاص، ففي الحالة الأولى رأينا الحقيقة المطلقة في قتل شخص مقابل إنقاذ خمس أشخاص، أما الحالة الثانية فوجدنا من الظلم الدفع بشخص لا ذنب له مقابل إنقاذ خمس عمال.
كثير من الحقائق قد نراها واضحة ومطلقة، ونتهم من يعارضنا بأنه مختل. دون مراعاة أوجه الحقيقة المختلفة.
قد ذكرت ذلك في مقال سابق وشبهت الحقيقة بهرم ذو أربع أوجه، من يرى الواجهة الشرقي للهرم يرى الحقيقة واضحة تسد عين الشمس، ومن يقف في الجهة الغربية المعاكسة يرى نفس الحقيقة ولكن من منظور مختلف ومن زاوية مختلفة.
المختلف فقط أن كلا الشخصين يقف بجانب مختلف أو معاكس للآخر وهذا بحد ذاته لا يغير من الحقيقة إنما يُظهر بأن الحقيقة أياً كنت تحتمل وجوه عدة مهما كانت واضحة بالنسبة لك، فما تراه يراه غيرك من منظور شخصه وفكره ومعتقداته ولا يعني هذا بالضرورة إقصاء للطرف الآخر.
احذر في كل مرة تتغنى بها أمام نفسك أو أمام الآخرين بأنك منفتح على أوجه الحقيقة وعلى جميع أوجه النظر بإنك على شفا السقوط في قاع التطرف فالإحساس بالآخرين وتقبل اختلاف وجهات النظر معهم أبعد ما يكون عن حديث متكرر وأسطوانة مشروخة نتفنن بتشغيلها أمام الزوجة والأبناء والأصدقاء، هي إحساس داخلي وشعور متبادل ومجرد محاولة إظهاره يعتبر نذير شؤم !!
نشر بصحيفة اليوم السعودية
الجمعة ٨ يوليو ٢٠٢١م
ahmadsinky.com 